Friday, October 23, 2009

بفمه و قدميه أصبح خطاطاً

يحلم بـ"كشك" في حي مساكن برزة و أمنيته أن يضع المسؤولين في السجن !

يجلس أمام باب القصر العدلي في شارع النصر بدمشق و أمامه طاولته و الأوراق الخاصة بالمعاملات، يشرب الشاي بما "تبقى من يده اليمنى"، ثم ينتقي زبونه من بين العشرات من المواطنين، ويرفع قلمه بفمه ليبدأ بالكتابة.لفت نظرنا بالطريقة التي يكتب بها، والناتجة عن حرمانه من يديه الاثنتين، اقتربنا منه و حاولنا تبادل الحديث معه بشيء من الحذر، إلا أنه كان مرحباً بنا خاصةً بعد أن علم أننا "صحافة" ومن الممكن ان نساعده في إيجاد حلٍ لمشاكله و تحقيق حلمه!.خلال حديثنا مع "سعد" الذي يبلغ الأربعة و الثلاثين عاماً قال لنا أن ما يسميه الناس بـ"الإعاقة" لم تستطع أن تمنعه عن ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي فهو يستطيع الكتابة بقدمه و فمه و أنه خطاط و رسام و يحمل شهادة ثانوية عامة تجارية، كما أنه مدرب "تايكوندو و كيك بوكسينج" في نادٍ يقع بمساكن برزة قرب بيته، و أنه يعمل في مكانه أمام المحكمة منذ سنتين تقريباً. وأخبرنا الشاب بعد أن تنهد بقوة و بشيء من الألم أن مشكلته الكبرى في الحياة وشغله الشاغل هو حصوله على رخصة لفتح "كشك" قريب من منزله، و أنه قام بتقديم طلبات للمحافظة و بشكل متواصل منذ عام /1990/ حتى /1996/ و حصل على موافقة مبدئية من المحافظة بتاريخ 23/3/1993 بقرار رقم /3333/ إلا أن الموافقة لم تأت بشكل كامل حتى تاريخ اليوم.ويتابع سعد "أنا لا أريد "الكشك" سوى لقربه من منزلي و لأنه سيوفر علي بعض الاحراجات التي أتعرض لها في مكان عملي الحالي"، وأخبرنا أن عمله الحالي جيد فهو يجني ما بين /1000-500/ ليرة يومياً، على الرغم من أنه لا يقبل بكل الزبائن، فهو حسب ما شبه نفسه"كسائق التاكسي البطران"، و لكننا علمنا السبب الحقيقي لاكتفائه بالقليل من الزبائن و إرساله الآخرين إلى غيره من كاتبي المعاملات،حيث روى لنا العديد من القصص عن المضايقات التي يتعرض لها من الكاتبين الآخرين التي وصلت إلى حد "الضرب"، وكيف أنهم حسب ما قال"يعايرونه" بإعاقته مرددين على مسمعه أن إعاقته لن تكون السبيل كي يشفقوا عليه و يتنازلوا عن الزبائن له.حين كنا نجلس معه في "مكتبه" على الرصيف مر شخص و قام بوضع بعض المال أمام سعد و الذي طلب من الرجل أن يرجع نقوده إلى جيبه فهو لا يحتاج لها ، و التفت نحونا وقال "أنا لا أريد شفقة أو مساعدة من أحد حتى من جمعيات رعاية المعوقين و التي لن تقدم المساعدة لي أصلاً ".وتابع ليخبرنا أنه لا يريد سيارة خاصة بالمعوقين لا يقدر على دفع تكاليفها أو حتى بيعها لأن المعاق الذي مثله يستطيع الحصول عليها مجاناً، فهو بحاجة لسيارة يقوم بتأجيرها ليصرف على بيته و أولاده، و بحاجة لعمل يتناسب مع طبيعة وضعه دون أن يعرضه للإهانة من قبل الناس.و ابتسم سعد قائلاً "إن حلمي الوحيد في هذه الحياة أن استلم منصباً مهماً في الدولة لعدة ساعات حتى أتمكن من زج جميع المسؤولين في السجن عقاباً لهم على عدم الرأفة بمثل الحالات التي تشبه حالتي فنحن،أي المعاقين، كلما حاولنا ان نعيش كالناس العاديين يأتي أحد ما و في أي مكان ليذكرنا بإعاقتنا الجسدية، متناسين الإعاقة التي تحملها أرواحهم التي تكمن في نقص الإحساس و الشعور لديهم".

راما الجرمقاني

No comments:

Post a Comment