Friday, October 23, 2009

عندما تتحول أرصفة دمشق إلى مول كبير!!!!

تتسوق اليوم في دمشق فإن هذا لا يتطلب منك دخول أي متجر أو سوق أو " مول " أي ليس بالضرورة أن تعيش متعة مشاهدة الأشياء المصفوفة في مكان محترم لشرائها لأننا قررنا أن نفرش ما لدينا على أرصفة دمشق ، فنحن بلد " كل شي بدك ياه بيجي لعندك ، محاولين جعل عملية البيع والشراء أكثر حميمية لتلبي جميع احتياجات المواطن من الجرابات والملابس العادية وحتى الداخلية إلى الأدوات الكهربائية مروراً بالمكياج والعطور وقشارات البطاطا وأجهزة التحكم و الكتب والمجلات حتى الطعام و الشراب .
إذا كانت ولسنوات قريبة مضت قد انتشرت بسطات الشوراع بما تبيعه من أشياء ، فهذه الأيام تحولت تلك البسطات إلى أمكنة ضخمة أشبه بمولات كبيرة بالطبع ليست كأي مول في دولة قريبة أو بعيدة ، فهي مصنوعة على طريقة السوريين الخاصة ، أو على طريقة تلك الشريحة المحدودة الدخل .

" البسطة " طريقة تعبير عن العلاقات الإنسانية !!
وفي حال قرر المواطن السوري شراء كل متطلبات حياته من على الرصيف فبالتأكيد لن ينقصه شيء كما أكد لنا الشاب خليل الذي يسكن في باب شرقي بمفرده ، فهو مثلاً يرى أن غرفته الرطبة التي يسكنها تحتاج إلى شرفة ليشرب عليها فنجان القهوة صباحاً ، وبما أن هذا مستحيل في البيت بسبب الازدحام والأصوات من سكان المنزل ، فإنه يلجأ إلى شرفة الرصيف ليشرب فنجان القهوة على موقف باب شرقي التي يشتريها من أبو عامر صاحب بسطة لبيع الشاي والقهوة و النسكافيه والزهورات ويضيف خليل بأنه يعتبر أن هذه البسطة تختصر أحلامه فهي تجعله يشرب قهوته وينتظر الباص لنقله إلى الجامعة معاً كأنه على شرفة منزله ينظر إلى المارة ويراقبهم ، حتى أنه أصبح يخرج أبكر من موعده ليدردش قليلاً مع أبو عامر ويفتح له قلبه بعد أن أصبحا صديقين .
بعد أن ودعنا خليل لنتركه يكمل فنجانه على الشرفة مع زمامير الباصات والسيارات بدلاً من زقزقة العصافير ، توجهنا نحو أبو أحمد الذي كان قد بدأ بأخذ مكان على رصيف قريب من موقف باب شرقي يبيع خضاره وفاكهته الطازجة والتي اشتراها لتوه من سوق الهال ، كما قال ليساعد نساء المنطقة كي لايقطعن مسافات كبيرة بحثاً عن الدكاكين والبقاليات ، فهو يأتي لهن بما يردن بسعر أرخص من المحلات العادية فيسترزق ويساعد بآن واحد .

البسطات " مقامات "
وكحال أبو أحمد سترى الكثير من النساء الريفيات والأطفال قد حملن تحويشة الحديقة في منزلهم إلى الرصيف ليبيعوا خضارهم وفاكهتهم أثناء المرور من باب توما إلى برج الروس صباحاً ، لتصل إلى سوق الملابس والأحذية الذي أخذ الرصيف الفاصل عن مستشفى الفرنسي مكاناً له والذي تجمع حوله عدد كبير من العساكر للشراء أو مجرد السؤال عن السعر الذي عادة ما يكون متواضعاً مقارنة مع السعر الذي يضعه الروسيون الذين يفترشون بضاعتهم في نفس المكان ليلاً والتي تكون نخبوية قد لا يقدر المواطن العادي شراءها ، لكنها تكون أجمل وأذوق من تلك الموجودة على البسطات العادية كما أخبرتنا السيدة سوزان التي كانت تنتقي كنزة طلبت السيدة الروسية ثمنها 1500 ليرة سورية فتركت السيدة الكنزة والتفتت إلينا لتقول و الله بشتري كنزة من محل أو ماركة بأرخص من هيك .
حال الروسيين ليس بأفضل من حال الصينيين قبل أن ينظموا بسطاتهم تحت اسم المعرض الصيني أو السوق الصيني والذين كانوا لا يتنازلون بالرد عن ثمن الشيء ويكتفون بجمل ربما لم يحفظوا غيرها بدك تشتري ولا لأ.

بسطات الإكسسوار الأكثررواجاً
وإلى جانب بسطات الملابس والأحذية وفي أماكن متعددة من دمشق تقف بسطات تكمل اللوك وتحسنه ، فتجد بسطات الإكسسوار والنظارات الشمسية والماكياج والعطورات والتي تلقِ رواجاً كبيراً خاصة عند الفتيات حسب صاحب إحدى البسطات الذي أخبرنا أن كل زبوناته يفضلن الشراء من عنده على المحلات العادية لأنه يبيع بسعر أرخص ونفس البضاعة فالجميع يبيع المقلد إذ ليس هناك نظارة شمسية أصلية ثمنها أقل من 2000 ليرة سورية والذي يقنع الزبونات بأن النظارة بـ 500 ليرة سورية أصلية فهو كاذب وبضاعته نفس البضاعة التي يبيعها هو إلا أن سعره أقل بكثير ، وأنه سيعمد إلى توسيع مجاله ليشمل الملابس الداخلية والجرابات فهي تلق رواجاً كبيراً عند النساء والفتيات وهن عادة ما يشترين ما هن لسن بحاجة إليه .

بضاعتنا مكفولة .. ولكن بكلمة !!
وإذا استطاع الشخص أن يكسي نفسه من الخارج من على الرصيف فإن كسوة منزله مؤمنة مع بسطات العصرونيات والتي تجد فيها جميع ما تحتاجه من أدو ات للمطبخ كالكبجاية وقشارة البطاطا والصحون والكاسات والطناجر والمقالي حتى اسفنجات المطبخ والحمام وبطاريات الساعة وأجهزة التحكم والملمع والمعقم كما أنك ستجد جميع الأدوات الكهربائية باستثناء البراد والغسالة فقد تشتري مكواة وسيشوار وخلاط وعجانة وجهاز هاتف لاسلكي وعادي من عند نبيل ولا نعلم إذا كان اسمه الحقيقي والذي يقف في الشارع العام بجرمانا ويبيع الأدوات الكهربائية مؤكداً أنها مكفولة ولا يذكر أن أحد زبائنه قد أعاد له قطعة اشتراها من عنده ، و أن المواطن يستطيع أن يوفر أكثر بالشراء من عنده كعمولة المحل والكفالة ، فالكفالة عنده هي الكلمة والتي عادةً ما تكون كلمة رجال !!
" الديكور والفرش والمحابس " من عنا
وبعيداً عن نبيل وبسطته فإن أبو نديم يستطيع أن يساعدك في فرش بيتك ودوكرته عن طريق تحفه الفخارية التي رتبها بشكل متناسق وجميل والتي تنوعت أشكالها وأغراضها من تمثال كبير لفينوس إلى أيقونات السيدة العذراء ، وإطارات الصور والجرار والتماثيل الجميلة بأ حجامها المختلفة ، ويدافع أبو نديم عن بضاعته قائلاً أن الفن والجمال لا يجب أن يكون حكراً على أحد وإذا لم يكن المرء يملك المال هذا لا يعني أنه لا يستطيع تزيين بيته بالتحف الجميلة غير الغالية نسبياً مقارنة مع تلك التي تشتر من المحلات الخاصة بالتحف والتماثيل والتي قد يصل ثمنها إلى آلاف بل عشرات الآلاف من الليرات .
وإذا ما انتهيت من اقتناء التحف فإنك تستطيع أن تقصد جار أبو نديم الذي يبيع السجاد على الرصيف المجاور لتختار ما يلائم بيتك من حيث اللون والحجم وما يلائم ميزانيتك من حيث النوعية لتذهب مباشرة إلى سوق الحرامية وتنتقي طقم الكنبايات أو غرفة النوم التي تناسبك من على أرصفته كذلك بإمكانك بطريقك أن تغير جهاز موبايلك من بسطات السوق وتعود لتشتري المحابس في حال قررت أن تتزوج من أقرب بسطة للخواتم و التي لن تفرقها عن الذهب من حيث اللون أو الموديل .

" ثقافة الرصيف " أو " من على الرصيف "
وفي حال قرر المواطن السوري أن يقف نفسه قليلاً فما عليه سوى التوجه إلى منطقة جسر الرئيس والبرامكة ليجد على أرصفتها جميع أنواع الكتب المعروفة وغير المعروفة ، الجديدة والمستعملة ، لتساعده على ملئ أوقات فراغه بشيء مفيد كما أخبرنا عبد الله طالب صحافة سنة ثالثة فهو يشتري بعض الكتب من هذه البسطات وعلى الرغم من أنها لا تكون بالمستوى المطلوب غالباً إلا أن بعضها مفيد وعلىالأقل تساعده بملء يومه بالقراءة بدل التسكع وتضييع الوقت ، كما أن بعض هذه البسطات تؤمن الكتب الجامعية المستعملة مما يوفر بثمنها .
ولعل الحكومة قد أدركت مدى تعلق السوريين بالبسطات وأهميتها في حياتهم إذ سمحت بإنشاء سوق خاص بالبسطات بالقرب من منطقة الزبلطاني لتنظيمها بعد أن عجزت عن إلغائها ، لأن الحياة على الأرصفة بدأت تصبح شيئاً من الحياة اليومية للبعض ، إذ بدؤوا يألفون أصوات الباعة والأغاني المنبعثة من بائعي الكاسيتات والسيديات على الأرصفة ، وروائح الفلافل المقلي على الرصيف والذرة المشوية في مكان آخر ، وأصبحت بسطات العوجة دليلاً على قدوم فصل الربيع وبسطات الفول النابت وسيلة لدرء برد الشتاء وبسطات الناعم والمشمش الهندي دليلاً على قدوم شهر رمضان حتى أنه أصبح بإمكاننا شراء خروف العيد من على الرصيف بالقرب من سوق الهال القديم والبحث عن عمل بالجلوس على أرصفة جرمانا وجديدة عرطوز بانتظار أحد يريد عتال ، أو عامل .
ويرى البعض أن هذه البسطات ما هي إلا الدرس الأول الذي بدأ السوريون تعلمه من دروس الشارع بانتظار أن يأتي اليوم الذي قد ينتقلون إليه نهائياً ، وتتحول حياتهم إلى مجرد بسطة في الشارع .
راما الجرمقاني

No comments:

Post a Comment